هل سيتجاهل الإخوان المسلمون ذكرى سيد قطب؟!

يتوافق في هذا العام ذكرى مرور مائة عام على ميلاد رجلين من عمالقة الفكر والدعوة الإسلامية، ومن أبرز مفكري وقادة جماعة الإخوان المسلمين: الإمام الشهيد حسن البنا، والشهيد الأستاذ سيد قطب، رحمهما الله، فقد ولدا في عام واحد، وفي شهر واحد، في شهر أكتوبر سنة 1906م، وقد رأينا على موقع (إخوان أون لاين) صفحة خصصت للأستاذ البنا، بعنوان (عام البنا)، ولا أدري هل سيقف الاحتفاء بالبنا عند هذا أم سيتعدى لاحتفالات أخرى؟! وأغلب الظن أنه سيتعدى ويحتفل به أيا كانت نوع طريقة الاحتفال.
غير أننا لم نسمع ـ للأسف ـ عن الاهتمام بالرمز الآخر وهو في نفس الحجم تأثيرا وتنظيرا لجماعة الإخوان المسلمين، بل إن عدد قراء فكر وكتابات الأستاذ سيد قطب تفوق عدد قراء فكر الأستاذ البنا، وهذه حقيقة لا ينكرها راصد، وكذلك عدد الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي أجريت على الشخصيتين تبين رجحان كفة الأستاذ سيد قطب في هذا الأمر أيضا.
ولا ينكر أحد من أفراد جماعة الإخوان المسلمين ولا من أفراد الصحوة الإسلامية بوجه عام تأثره بكتابات الشهيد سيد قطب رحمه الله، فإن كان الإمام البنا لم يعن كثيرا بالتنظير والتأصيل كما هو متعارف عند كثير من الدعاة، فقد تولى زمام هذا الأمر بعد وفاة البنا الشهيد سيد قطب رحمه الله، ولا ينكر عالم له عناية بالمكتبة القرآنية تأثره بـ (في ظلال القرآن) للشهيد سيد قطب رحمه الله.
كما برز اهتمام بجمع تراث الأستاذ البنا، ولم نر مثل هذا الاهتمام بتراث الأستاذ سيد قطب، فخرج مشروع تراث الأستاذ البنا الذي يشرف عليه الأستاذ جمعة أمين، وبعده مشروع الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا، وقبلهما بسنوات مشروع كاتب هذه السطور عن تراث الأستاذ البنا.
وهناك مشروع قام به منذ ما يقرب من عشر سنوات الأخ أحمد حسن، يجمع فيه مقالات الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وهذه فرصته لنشر ما تجمع لديه من مقالات الشهيد سيد قطب، وقد كنت قابلت الأستاذ محمد قطب في قطر في عام 1998، وقد كان أستاذا زائرة في جامعة قطر، وعرضت عليه مشروع جمع تراث الشهيد سيد قطب، وسألته: هل هناك مانع من ذلك؟ وفوجئت بإجابة الأستاذ محمد قطب بالرفض، ويقول لي: نعم هناك مانع، قلت: ما هو: قال أنا أمنعك من ذلك. وبين أن هذه هي رغبة الشهيد سيد قطب نفسه قبل وفاته رحمه الله. ولكن ما يرغب فيه الشهيد شيء، وما يفرضه علينا البحث العلمي شيء آخر.
لا أدري ما سر عدم الاحتفاء بنفس القدر أو بأقل منه بنفس الذكرى (ذكرى ميلاد سيد قطب) هل يخشى الإخوان في هذه الفترة أن يتهموا بتبنيهم لأفكار سيد قطب من حيث دعوته لنبذ الجاهلية، فمن ينكر أن في أفكار الأستاذ سيد ما يخالف نهج حسن البنا، وما هو في مجال النقد والتصويب، وكذلك في كتابات الأستاذ البنا رحمه الله، وقد ناقشت بعض أفكار ورؤى الأستاذ البنا عند جمعي وتحقيقي لتراثه رحمه الله، وقد أجرت الحركة عدة مراجعات، وكتب من كتب من كتاب ومنظري الإخوان ينتقدون بعض أفكار الأستاذ سيد، ومنهم من كتب ينافح ويدافع عن هذه الأفكار، وأنها فهمت خطئا.
مهما قيل في فكر الأستاذ سيد قطب، فلن يختلف أحد على أثره في الحركة الإسلامية فكرا، وتضحية، وإخلاصا، إنها فرصة عظيمة ينبغي اغتنامها، لتجري الحركة عملية مراجعة على الأفكار والأشخاص والمراحل التاريخية، ولتقف بكل صراحة ووضوح تقيم المراحل والأشخاص من حيث أدائهم مشيدين بإخلاصهم وجهودهم، مطلعين على كبواتهم التي حدثت لهم إن علميا أو عمليا، لتتفادى الوقوع فيها.
فهل هذا الإهمال أو التغاضي عن ذكراه، هو باب من باب النقد الذاتي، وعودة إلى إعطاء المسار البناوي دور القيادة، بعد أن تسيد المسار القطبي لفترة ليست بالقصيرة؟
أم أنه سهو مما يرد كثيرا على كل عمل بشري، وأنه سيجري استدراك هذا السهو؟! خاصة أن الأستاذ سيد قطب له ثقله كما قدمت، وأن كثيرا ممن عاصروه في محنته قبل شنقه رحمه الله لا زالوا أحياء، وهذا مما يثري الاحتفال به كتابة وشهادة، وهو أمر مهم يغيب كثيرا عن الإسلاميين في الكتابة عن الرموز، ويغيب عنا ما نسميه: بالتاريخ الذي سيضيع، وهو ما كان من أحداث وتفاصيل لم تدون في الكتب، بل ظلت في صدور الرجال الذين عاشوا التجربة، وكانوا شهودا عليها.